لو صنعت شركة مرسيدس أفخم أنواع السيارات وركبت أجزاءها، ثم نسيت ربط الصواميل والمسامير فستصبح السيارة أقل قيمة من التوك توك، ترقص فى الشوارع كالمجانين، تاركة اكصداماً وباباً هنا ورفرفاً وموتوراً هناك، إلى أن تصل إلى محطتها النهائية بالدركسيون فقط، وصاحبها متوهم أنه يقود سيارة فخمة!!! هكذا حال البلد، وطننا صواميله مفكوكة والدولة لديها شلل رعاش، لا بوصلة موجودة، ولا «جى. بى. إس» ولا حتى خطة سير، الدولة شبح لا نراه حتى فى خلفية الصورة، استيقظنا على انعدام كفاءات بشع، وخمول مزمن، وعقل مغيب مخدر، وإنسان هو فى الأصل حنجرة وطلع لها بنى آدم! نجد أنفسنا دائماً فى حالة سؤال مؤرق وأمام علامة استفهام مزعجة كذباب الصيف اللزج: أين الدولة؟ لا نطلب من الدولة أن تتدخل كقطاع عام فى كل تفاصيل حياتنا كما كانت تتبنى قديماً شركات تصنيع سندوتشات الفول والطعمية، ولكننا نطلب الحد الأدنى، وهو أن تكون الدولة موجودة أصلاً، وهو مطلب شرعى وقانونى وإنسانى، ليس معقولاً أن نصل فى مرحلة مكافحة الإرهاب لخصخصة الأمن والحماية وتوزيع دمها على القبائل، بل الوصول إلى مرحلة الفرح الهستيرى بدخول قبائل سيناء مجال الحرب ضد الإرهاب واستعراض الأسلحة و«الفور باى فور» فى الشوارع، والكلام عن مشاركة فرد من القبيلة مع كل مدرعة، وتأجيج لعبة الثأر بين القبائل... إلخ، هذه العجلة الجهنمية ستعود فى النهاية لتحرقنا نحن وتحرق كل آلياتنا الدفاعية والأمنية، ستتسلل فئران السفينة التى سمَّنَّاها وربربناها من ثقوب تقصيرنا وقصورنا لتأكلنا نحن، وهى ملفوفة بخرق البنزين تعدو بحماقة وجنون فى كل أرجائها حتى تحترق وتغرق ويبلعها البحران! أين الدولة عندما يعترض السلفيون فى قرية فى محافظة المنيا ذُبح أبناؤها فى ليبيا وتعاطف الجميع معهم، يعترضون على بناء كنيسة مرخصة، فتُعقد جلسات عرفية- بحضور مدير الأمن- لوضع شروط يرضى عنها المتطرفون؟! كان سلفيو قنا قد رفضوا من قبل تعيين محافظ مسيحى، وقلنا وقتها ظروف البلد لا تسمح بالتدخل وفرض القانون وبلعنا الطعم ومررنا التبرير، وقبلها وكلت الدولة الداعية محمد حسان لحل مشكلة كنيسة صول، التى كانت قد هُدمت وحُرقت بأيدى المتطرفين، وأيضاً قبلنا نفس التبريرات. عندما يقبض أبناء قرية على حرامى، ثم يقتلونه ويلفون بجثته أرجاء القرية فى زفة دموية بدون شرطة ولا نيابة، قالوا لنا: الدولة فكت وانتظروا حتى نجمع شتاتها وانتظرنا وبلعنا لساننا، لكننا الآن فى كنف دولة وفى ظل وطن وإزاء حرب ضد إرهاب، واصطفاف وطنى خلف بناء ومحاولة قيام من تعثر، بل قيام من شلل يحتاج إلى جراحة لا إلى مسكنات، عندما نكرر طوال الوقت أننا فى دولة مدنية، ثم نقول ممنوع الإضراب طبقاً للشريعة وليس طبقاً للدستور، حتى لم نقل منع الإضراب طبقاً ومن أجل مصلحة البلد!! هنا لابد أن نتساءل: أين الدولة؟ نسأل أين الدولة والهارب من أحكام يفتح فضائية، والإرهابى يخطب على المنبر، وفنى المعمل يخترع علاجاً للإيدز؟!! أين الدولة والحكومة تستعين ببرهامى للحرب ضد الإرهاب والفتنة الطائفية التى زرعتها فتاواه؟! أين الدولة ومستشار شيخ الأزهر إخوانى، ورئيس تحرير مجلته ربعاوى؟! أين الدولة ووزير التعليم يستورد مناهج التطوير من باكستان؟ أين الدولة من عنصرية وزير يسخر من التخان، ومن أزهرى إخوانى كان مؤيداً لمرسى، جاعلاً منه خليفة المسلمين، فاستعانت به الحكومة لتنقية مناهج وزارة التعليم وتجديد الخطاب الدينى؟!! هل الدولة شبح؟ هل الدولة أحيلت إلى الاستيداع؟ هل قبضة الدولة صارت مرتخية كالعجينة؟ حتى وفى ظل قمة الفساد كنا نستطيع أن نشير إلى شبه دولة، لكن لا يمكن أن تعيش وتستمر وتحيا وتنمو الشعوب فى ظل أطلال أو أشلاء دولة، قبل أن نتحدث عن انتخابات أو برلمانات أو مشاريع أو تفاريع لابد أن نستعيد الدولة أولاً، فهى ألف باء الوطن، فمن الممكن أن نشكل أجزاء الوطن باحتراف، لكن عند مرحلة الفينش ننسى الصواميل، وبعد أن كنا نطمح إلى الوصول لمرحلة المرسيدس والفيرارى نجد أننا مازلنا فى مرحلة التوك توك فى البرارى!